ليس الغريب غريب الشام واليمن...إن الغريب غريب اللحد والكفن
إن الغريب له حق لغربته...علي المقيمين فى الأوطان والسكن
لا تنهرن غريبا حال غربته...الدهر ينهره بالذل والمحن
سفرى بعيد وزادي لن يبلغني...وقوتى ضعفت والموت يطلبنى
ولى بقايا ذنوب لست أعلمها...الله يعلمها في السر والعلن
ماأحلم الله عنى حيث أمهلني...وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم...ولا بكاء ولا خوف ولا حزن
أنا الذى أغلق الأبواب مجتهدا...على المعاصى وعين الله تنظرني
يازلة كتبت في غفلة ذهبت...ياحسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أنوح على نفسي وأندبها...وأقطع الدهر بالتذكير والحزن
دع عنك يامن كان يعدلني...لو كنت تعلم مابي كنت تعزرني
دعنى أسح دموعا لا إنقطاع لها...لعل عسي عبرة منها تخلصنى
كأنني بين الأهل منطرحا...على الفراش وأيديهم تقلبني
وقد تجمع حولى من ينوح ...ومن يبكى عليا ينعاني ويندبني
وقد أتوا لى الطبيب كى يعالجني...ولم اري الطب هذا اليوم ينفعني
واشتد نزعي وصار الموت يجدبني...من كل عرق بلا رفق ولا هون
واستخرج الروح مني في تغرغرها...وصار ريقي مريرا حين غرغرني
وغمضونى وراح الكل وانصرفوا...بعد اليأس وجدوا في شراء الكفن
وقام من كان حب الناس إلي في عجل...نحو المغسل يأتيني يغسلني
وقال ياقوم نبغي غاسلا حنقا...حرا أديبا قريبا عارفا فطن
فجاءني رجل منهم فجردني...من الثياب وأعراني وأفردني
وأودعونى علي الألواح منطرحا...وصار فوقى خرير الماء ينظفني
وأسكب الماء من فوقى وغسلني...غسلا ثلاثا ونادي القوم بالكفن
وألبسوني ثيابا بلا كمام لها...وصار زادي حنوطي حين حنطني
وأخرجوني من الدنيا فواآسفاه...على رحيل بلا زاد يبلغني
وحملونى على الأكتاف أربعة...من الرجال وخلفي من يشيعنى
وقدمونى على المحراب وانصرفوا...خلف الإمام ثم ودعنى
صلو علي صلاة لا ركوع لها...ولا سجود لعل الله يرحمني
وأنزلنى إلي قبري علا مهل...وقدموا واحد منهم يلحدني
وكشف الثوب عن وجهي لينظر لي...وأسكب الدمع من عينيه فأغرقني
فقام محترما بالعزم مشتملا...وصقف اللبن من فوقي وفارقني
وقال أغلقوا عليه التربة واغتنموا...حسن الثواب من الحمن ذو المنن
فى ظلمة القبر لا أم ...ولا أب شفيق ولا أخ يؤنسنى
وهالنى صورة فى العين إذ نظرت...من هول مطلع ماقد كان أدهشنى
من منكر ونكير مأقول لهم...قد هالنى أمرهم جدا فافزعنى
وأقعدونى وجدوا في سؤالهموا...مالى سواك إلهى من يخلصني
فأمنن على بعفو منك ياأملي...فإنني موثق بالذنب معترف
تقاسم الأهل مالي بعد مانصرفوا...وصار وزري علي ظهري فأثقلني
واستبدلت زوجتي بعلا لها بدلي...وحكمته على الأموال والسكن
وصيرت ولدي له عبدا يخدمه...وصار مالي لهم حلا بلا ثمن
فلا تغرنك الدنيا وزينتها...وانظر إلي فعلها فى الأهل والوطن
وانظر إلى من هوي الدنيا بأجملها...هل راح بغير الحنط والكفن
خذ القناعة من دنياك وارضى بها...لو لم يكن لك إلا راحة البدن
يازارع الخير تحصد بعده ثمر...يازارع الشر واقف علي الوهن
يانفس كفي عن المعاصى واكتسبي...فعلا جميلا لعل الله يرحمنى
يانفس ويحكي توبي واعملي حسنا...عسي تجازين بعد الموت بالحسنى
ثم الصلاة على المختار سيدنا...صلو عليه وسلموا تسليما
والحمد لله يجزينا ...بالخير والإحسان والمنن