منذ سنوات انكشف حمل إحدى الصبايا نتيجة علاقة غير شرعية مع أحد الشبّان، فاتخذت عائلتها قرار قتلها.
وتجسّدت «العدالة»الاجتماعية المتوارثة تجاه الشرف والكرامة بشخص أخيها المراهق الذي أصبح بديلاً عن المحكمة وعن الشرائع والأديان..، وقضى على أخته «بالفرّاعة»، وساهم كلّ فرد من العائلة بجرّ جثة الصبية إلى الشارع العام أمام باب المنزل ليرى القاصي والدّاني «غسل العار»، وأتاحت الجثّة لأمّها فرصة المساهمة عبر حجر حملته بصعوبة ورمته على رأس المقتولة مع زغاريد تنفيذ الحكم..
اعتبر «القانون» القاتل بالفرّاعة «بطل شرف»واليوم أصبح ذلك المراهق المتسلّح بـ«الفرّاعة» رجلاً ناضجاً سألتُه: هل أنت نادم؟ هل تعتبر نفسك قاتلاً؟ هل أنت بطل شرف؟ فقال لو أمكنني أن أقتلها مرّة أخرى فسأقتلها بالفرّاعة أيضاً؟ ونسأل :ترى لو قُبض على مجرم وهو ينكّل بعائلة ما ويقتلُ ويغتصبُ ويسرقُ ويمثّلُ بجثث قتلاه فكيف يعامله القضاء؟ حتماً هو بريء حتّى يدان، ويأخذ كامل حقوق الدفاع والإثبات والنفي والخبرة والاستئناف والطعن والتخفيف وغير ذلك..، وتصدر المحكمة حكم إعدامه باسم الشعب، إذاً ما هو الحق الذي تمّ منحه لنموذج الصبية التي قُتلت بالفرّاعة مقارنة بحقوق محاكمة سفّاح؟ ومن ذلك )المراهق( حتّى يعدم أخته بالفراعة وباسم الشرف والمجتمع ويُبرّأ باسم الشعب..؟
تندرج سنوياً جرائم عديدة تحت تصنيف)جرائم الشرف) وهي تكشف الإشكالية الكبرى لبضع مواد قانونية في قانون العقوبات مرتبطة بـ«جرائم الشرف»، وتخوض (تشرين( في هذا «المحظور الاجتماعي»، وتريد جرأة تطوير وعي المجتمع وليس ترسيخ «قناعة قاصرة عن الشرف»، وتتناول جرائم تترافق بخدمة العذر المحل من العقوبة أو العذر المخفف، وبشكل يتعارض تعارضاً صريحاً مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر مرتكبيها قتلة..؟ ?أسئلة..؟ لا بدّ من جرأة إسقاط العاطفة والعادات تجاه نموذج الصبية التي تمّ إعدامها بالفراعة، ونحوّله إلى نموذج افتراضي لغاية علمية وصحفية، كي تصبح أسئلة عديدة مرتبطة به أسئلة مشروعة، فأيّ نصّ قانوني أو نصّ دينيّ يسمح بطريقة قتل كهذه؟ وهل فعلة الصبية تستحق هذا الإعدام؟ وهل للعائلات حرية قتل أحد أفرادها بديلاً عن المحاكم؟ أين فرصة دفاع الصبية عن نفسها، في حين تتاح فرصة الدفاع عن النفس لأيّ مجرّم يزني ويقتل..، بل وبعد محاكمات طويلة لإثبات جرائمه يلقّن الشهادتين قبل إعدامه؟وما هي فرص إثبات الحمل وممّن وكيف حدث ذلك..؟! ماذا لو كان حملها غير صحيح ؟ ماذا لو كان الحمل ناجماً عن انتفاخ بطن نتيجة كيس ماء أو ورم كما حدث في نموذج صبية تمّ قتلها ليتوضّح لاحقاً أنّها عذراء وبطنها منفوخ من كيس ماء..؟ ماذا لو كان خطأ طبياً في إثبات الحمل كما حدث في نموذج صبية أخرى؟ ماذا لو تعرّضت لاغتصاب، فهل تعاقب المغتصبة بالقتل بينما المغتصب حرّاً؟! ماذا لو الصبية خُدعت أو خُدرت تسهيلاً للنيل منها..؟ ماذا لو كان الدّافع لقتلها غير دافع الشرف..مثلاً؟ وإذا كان الدافع «شرفاً»أيّ شرف ينحصر في هذا النموذج من القتل؟! أين وسائل الإثبات التي تجعلها مجرمة بدرجة تبيح قتلها دون أيّة محكمة بينما جريمة قتل واغتصاب وسرقة حقيقية هزّت إحدى المحافظات بكاملها وبقيت منظورة لدى القضاء بضع سنوات..؟...
?حالات؟
منذ سنوات قام شاب بشنق أخته في منزل الأسرة وبمباركة الأسرة إثر انكشاف حمل الصبية غير المشروع ونال الأخ من القضاء العذر المحل من العقوبة، فالجريمة بدافع الشرف..، ومؤخراً قُتلت «طفلة»في حماة تحت شعار غسل العار، وذبحت صبية في السويداء تحت ذات الشعار، وأخرى في حمص، وهذه الأخيرة توفرت في قضيتها تفصيلات مذهلة نوجزها بأنّ أحد الشبّان «الصايعين»وفق مفهوم المجتمع أصر على طلب فتاة من أهلها للزواج فرفضته الفتاة والأسرة لسمعته السيئة، فقام بتزوير صورة للفتاة وتركيبها وفق التقنيات الحديثة لتصبح صورة«عاهرة»، وطلب من أخيها فرض تزويجه لأخته وإلاّ سيفضحها عبر الصورة التي عرضها للأخ، فقام الأخ بانتظار عودة أخته ومباشرة قتلها دون أيّة فرصة لسماع وجهة نظرها، معتمداً على رؤيته لصورة «مزوّرة»، وتبين للقضاء أنّ الصورة مزوّرة، ولدى الطب الشرعي أنّ الفتاة المقتولة عذراء..
ولكن استنفرت أسرة القاتل من أجل تأمين شروط إخراجه من السجن، وعبر مراحل قضائية أخرى تمّ اعتماد خبرة فانتشلت جثة الصبية من القبر لفحصها واعتبرت الخبرة الجديدة أنّ الصبية فاقدة العذرية، فتوفرت شروط العذر المحل من العقوبة وخرج الأخ من السجن «غاسلاً عاره»في قضية تحمل ألف سؤال وسؤال..؟! المفارقة في هذه القضية أنّ الذي زوّر وركّب الصورة قد تصل عقوبته إلى سنتي سجن..، بينما القتل الذي نجم عن الصورة عقوبة فاعله أنّه أصبح بطل شرف؟!
كما تعرض المحامية أمل يونس لتشرين حالة مؤثّرة جداً أوردتها أيضاً ضمن بحثٍ عن المرأة السورية بين الدستور وقانون العقوبات لصالح الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، وتتمثّل الحالة بأن صبية تذهب يومياً لرعاية جدّيها في منزلهما الذي يقيم فيه أيضاً خالها وزوجته، فقام الخال بتأمين الظروف لفعلته الشنيعة، حيث وضع مادة مخدرة للفتاة في شرابها واغتصبها، وظهرت آثار الاغتصاب عليها، وعندما علم أخوها بالأمر طعنها سبع طعنات قاتلة، ثمّ ذبحها وحوكم تحت عنوان جرائم الشرف وأخلي سبيله بعد ستة أشهر، وتتساءل المحامية: أيّ شرف هذا في قتل صبيّة تمّ اغتصابها من خالها؟
وتتحدّث عن حالة أخرى تتمثّل برجل أعمال عمل في الخارج مدة طويلة وعند عودته علم بزواج ابنته الكبرى وعلم من البعض بأنّ ابنته المتزوجة كانت قد أقامت علاقة جنسية غير مشروعة مع الذي تزوجها لاحقاً، وعندما جاءت ابنته لزيارته والترحيب به استقبلها برصاصتين بالرأس فقتلها ومنحته المحكمة العذر في القتل بدافع الشرف..؟ وهكذا حالات وحالات...
حالات معاكسة؟ كثيرة الحالات التي تتوفّر فيها فرصة "قتل بدافع الشرف" ولكن حكمة ووعي المعنيين بها لا تحوّلها إلى "جريمة"، ونذكر بعض النماذج، حيث مؤخراً ضبط أحد الأزواج زوجته في حالة خيانة زوجية فاكتفى بطلاقها أمام الذين حضروا وقام هو باستدعائهم..
أيضاً شهدت ليلة العرس لصبيةلم يسبق لها الزواج شرعاً تطوّرات غريبة، إذ قام العريس بإعادة عروسه إلى أهلها بزعم أنّها فاقدة العذرية، وفعلاً اعترفت الصبية بوجود علاقة جنسية مع رجل متزوجّ واعترفت بأنّها حامل منه، ولجأت عائلتها إلى القضاء وسط ضغوط اجتماعية هائلة تطلب من أهلها (قتلها لغسل العار)، ولم تتثبت المحكمة من والد الطفل الذي أنجبته الصبية في مكان خاصّ لمثل هذه الحالات، فهاجرت الصبية الزانية لاحقاً واختفت من عالم عائلتها ومجتمعها..
وهكذا أيضاً كثيرة الحالات التي تشهد "علاقات جنسية غير مشروعة" وفضائح ولكن لا تنتهي بقتل تحت دافع الشرف، بالمقابل يوجد في أرشيف الجرائم نماذج من حالات قتل لصبايا بدافع الشرف، وتمّ اكتشاف أنّهنّ بريئات من الأفعال غير الشريفة؟!
رؤية الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟
تتوضّح رؤية الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان تجاه ما يعرف )بجرائم الشرف( من خلال تبنّي الهيئة لمجموعة أبحاث ودراسات تطالب بتعديل ما تعتبره «مواد تمييزية مجحفة بحق المرأة» في قانون العقوبات، وإلغاء المواد التي تعطي العذر المحل من العقوبة والعذر المخفف في جرائم الشرف، وزوّدتنا د.منى حاج حسين، مديرة قسم الإعلام والتواصل والعلاقات العامة في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، ببعض الأبحاث التي نفذتها الهيئة، ونستعين ببحث للمحامية حنان نجمة، بعنوان: العنف ضدّ المرأة وقوانين العقوبات العربية، وبحثت في المادة548من قانون العقوبات السوري، وتقول: إنّ المادة من شأنها أن تشجّع على العنف الأسري، وأنّ الفقرة الثانية فيها هي أكثر خطورة في أبعادها، لأنّ مرتكب الأذى يستفيد من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر، والحالة المريبة منافية للقاعدة القانونية(الشكّ يفسّر لمصلحة المتهم)، فلا جريمة دون يقين ولا عقوبة دون جريمة..، إضافة إلى مخالفتها لقاعدة (ليس لأحد أن يقتصّ لنفسه)
كما تشير الباحثة نجمة إلى المادة 192في القانون السوري ومواد تحكم الجرائم التي ترتكب بثورة غضب شديد(المادة242)، وأنّ أحكام هذه المواد كثيراً ما تطبق على جرائم الشرف، فالمادة 192تعتبر الدافع الشريف سببا مخففا للعقوبة، وتركت للقاضي تحديد الدافع الشريف، وبذلك فمجال الاستناد إليها مفتوح وكثيراً ما تدخل فيه جرائم الشرف حتّى عندما تطول الجرائم الأقارب أيضاً وليس المحارم، رغم أنّ المادة 548قصّرت الأعذار المحلة والمخففة على الجرائم التي تطول المحارم فقط..؟